نجد الإسلام يأمر المسلمين حين المرض بالتداوي، ويأمرهم مع ذلك بالصبر، ويعتبر ما يصيب المسلم من هم أو وصب أو نصب، بمثابة تكفير للخطايا والسيئات، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما يصيب المسلم، من نصب، ولا وصب، ولا هم، ولا حَزَن، ولا أذى، ولا غم، حتى الشوكة يُشاكها، إلا كفَّر الله بها من خطاياه» رواه البخاري -1979 م4 ج7: 2، بل نهى عليه السلام عن سب الحمى، لما يصاحبها من الأجر الكبير، فعن جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، دخل على أم السائب، أو أم المسيب، فقال:«مالك؟ يا أم السائب! أو يا أم المسيب! تزفزفين؟»، قالت: الحمى، لا بارك الله فيها فقال: «لا تسبي الحمى، فإنها تذهب خطايا بني آدم، كما يذهب الكير خبث الحديد» رواه مسلم -1400 م4: 1993، ومعنى: تزفزفين: تتحركين حركة شديدة، أي ترعدين، قال مصطفى الخن -نزهة المتقين، 1407 م2: 1176، أفاد الحديث أن الآلام والأسقام سبب لتكفير الآثام وزيادة الحسنات، وكراهية سب ما يصيب الإنسان من الأمراض، لما في ذلك من التبرم والتضجر من قدر الله..، ولا يعني هذا الإستسلام للأسقام، وعدم التداوي، فإنه مأمور به شرعا، وأضاف محمد الصديقي -د ت، م4: 556: لما فيه أي سب الحمى، من التبرم والتضجر من قدر الله، مع ما فيها -أي الحمى- من تكفير السيئات وإثبات الحسنات.
ومن الأحاديث التي تدعوا للتداوي وطلب العلاج، قوله صلى الله عليه وسلم: «إن اللّه أنزل الداء والدواء، وجعل لكلِّ داءٍ دواءً، فتداووا ولا تداووا بحرام» رواه أبو داود -د ت م2 ج4: 7، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن كان في شيء من أدويتكم -أو: يكون في شيء من أدويتكم- خير، ففي شرطة محجم، أو شربة عسل، أو لذعة بنار توافق الداء، وما أحب أن أكتوي» رواه البخاري -1979 م4 ج7: 12، وقال أيضا «لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء، برأ بإذن الله عز وجل» رواه مسلم 1400 م4: 1729، وعن أسامةَ بنِ شريكٍ قال: قالت الأعراب: يا رسولَ اللهِ إلا نَتَدَاوى؟، قال: «نعمْ يا عبادَ اللهِ، تداووا فإنَّ اللهَ لم يضعْ داءً، إلا وضعَ لهُ شفاءً أو دواءً، إلا داءً واحداً» فقالوا: يا رسولَ اللهِ وما هو؟، قال: «الهرَم» رواه الترمذي 1403 م3: 258، وقال حديث حسن صحيح، وروى أحمد 1405م1: 413، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أنزل الله عز وجل داء، إلا أنزل له دواء، علمه من علمه، وجهله من جهله».
ومع إجراءات الوقاية التي ينادي بها الإسلام، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتداوي -كما مر معنا- لما للتداوي من أثر كبير في دفع البلاء، وتحقيق الشفاء بإذن الله، روى مسلم 1400 م4: 1729 وغيره، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء برأ، بإذن الله عز وجل» وروى الترمذي 1403 م3: 270، عن أبي خِزامةَ عن أبيهِ قال: سألتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وسَلَّم قلتُ: يا رسولَ اللهِ أرأيتَ رُقًى نَسترقِيها، ودواءً نتداوى بهِ، وتُقاةً نَتقَّيها، هل تردُّ من قدرِ اللهِ شيئاً؟ قال: «هي من قدرِ اللهِ».
بعد أن ركز الإسلام دعائم الوقاية من الأمراض والأوبئة، التفت إلى طريق العلاج الصحيح، والدواء الناجح، فعندما يلم بالمسلم مرض أو تنتابه علة، فهو مأمور بطلب العلاج، فقد حث نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم، على تعاطي الدواء، وشجع على العلاج، لأن إهماله قد يؤدى إلى تفاقم المرض وإشتداد العلة، وقد ينتهي به الأمر إما إلى العجز والحرض أو إلى عالم الآخرة ويوم الحساب، وفي كلتا الحالتين مسؤولاً أمام الواحد القهار، لِمَ فرَّط في حق نفسه، وَلِم أهمل أوامره، وقد قال تعالى في محكم تنزيله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيما} [النساء:29]، وَلِم ضرب بعرض الحائط توجيهات الطبيب الأول، والنبي المختار، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «فتداووا ولا تداووا بحرامٍ» رواه أبو داود -د ت م2 ج4: 7، وقوله صلى الله عليه وسلم: «يا عبادَ اللهِ تداووا فإنَّ اللهَ لم يضعْ داءً إلا وضعَ لهُ شفاءً أو دواءً» رواه الترمذي -1403 م3: 258، وقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء» عبد الرؤوف المناوي د ت م2: 256.
وعن الوقاية من المرض يذكر عبد الله علوان -تربية الأولاد في الإسلام، 1405م1: 214-217: من هديه عليه الصلاة والسلام الإحتماء من التخمة، والنهي عن الزيادة في الأكل والشرب عن قدر الحاجة، روى الترمذي 1403 م4: 18، عن مقدام بن معد يكرب، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فان كان لا محالة، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه»،.. ومن هديه في الشرب، الشرب مثنى وثلاث، والنهي عن التنفس في الإناء، والنهي عن الشرب قائما، روى الترمذي 1403 م3: 201، عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تَشربوا واحداً كشُربِ البعيرِ، ولكنْ اشرَبوا مثْنَى وثُلاثَ، وسمُّوا إذا أنتُم شربتُم، واحمدوا إذا أنتُم رَفَعْتُم»، وفي الصحيحين عن أبي قتادة عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم، نهى أن يتنفس في الإناء، واللفظ لمسلم 1400 م1: 225، وفي رواية الترمذي 1403 م3: 202، أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وسَلَّم، نهى أن يُتنفَّسَ في الإِناءِ أو يُنفخَ فيه، وروى مسلم 1400 م3: 1601، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يشربن أحد منكم قائما، فمن نسي فليستقي».
وقد نطق المصطفى صلى الله عليه وسلم، بأول قانون للحجر الصحي، لمنع إنتشار الأمراض السارية، وللوقاية من العدوى، والتي تعتمد أصلا على عزل المريض عن الصحيح، قال صلى الله عليه وسلم: «لاَ يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَىَ مُصِح» رواه مسلم 1400 م4: 1743، وقوله عليه السلام: «إذا سمعتم بالطاعون بأرض، فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها، فلا تخرجوا منها» رواه البخاري 1979 م4 ج7: 21 -قاسم سويداني، الطب منبر الإسلام، 1419: 18.
والصحة الوقائية قد سبق إليها الإسلام، وهو مما ينادي به الأطباء اليوم، وهي وقاية من أضرار الأمراض قبل وقوعها، فقد أشار الرسول صلى الله عليه وسلم بالحمية، لينبه إلى ضرر إدخال الطعام على الطعام، بل نهى عن الإسراف حتى في الأكل، قال الله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِين} [الأعراف:31]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ملأ آدمي، وعاء شرا من بطن، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فان كان لا محالة، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه» رواه الترمذي 1403 م4: 18، وحذر من الطاعون والجذام، وحض على التداوي، وأمر بتقليم الأظافر وإستعمال السواك، ونهى عن البول في الماء الراكد، وقرر نجاسة الكلب لما يحمله من أمراض تصيب الكبد والرئتين والكلية والقلب والمخ والأعضاء التناسلية -موفق الدين البغدادي، الطب من الكتاب والسنة، 1406: 17م.
كما أمر بالتحرز من الأمراض السارية والمعدية، فقد روى عمرو بن الشريد، عن أبيه قال: كان في وفد ثقيف، رجل مجذوم، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم: «إنَّا قد بايعناك فارجع» رواه مسلم 1400 م4: 1752، وروى البخاري في صحيحه (1979 م4 ج7: 17)، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا عدوى ولا طيَرة، ولا هامة ولا صفر، وفِرَّ من المجذوم، كما تفرُّ من الأسد»، وروى أيضا 1979 م4 ج7: 31، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يوردنَّ ممرِض على مصح».
ونهى الإسلام عن إقتناء الكلب في البيت إلا لحاجة، نظرا لأن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب أو صورة، ونظرا لما ينقله من أمراض، ويسببه من آفات مما نعلم ومما لا نعلم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من اقتنى كلبا، إلا كلب ماشية أو ضار، نقص من عمله كل يوم قيراطان» روه البخاري 1979 م3 ج6: 220، قال عبد القادر حسونة 1417: 194: من اقتنى كلبا: يقال اقتنى الشيء إذا اتخذه للإدخار والإقتناء، وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم: «من أمسك كلبا، ينقص من عمله كل يوم قيراط، إلا كلب حرث أو ماشية» روه البخاري 1979 م2 ج4: 101، وروى أيضا 1979 م3 ج6: 219، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من اقتنى كلبا ليس بكلب ماشية أو ضارية نقص كل يوم من عمله قيراطان».
وعن بعض الآثار الصحية الوقائية لبعض العبادات، نجد أن الإسلام شرع الصوم، راحة إجبارية للجهاز الهضمي حتى صار الصوم أحدث وسيلة للعلاج من إضطرابات الأمعاء والسمنة، والسكري والتهاب الكلى، وإرتشاح القلب والتهاب المفاصل -موفق الدين البغدادي 1406: 14-16م.
كما نهى الإسلام لأسباب صحية وقائية بحتة، من بعض المأكولات الضارة، كالميتة والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع، حيث تتكاثر فيها الجراثيم، ويحدث فيها التحلل والتعفن، ولذلك أصبحت سامة مضرة مهلكة، وحرم الخنزير لما يسببه من أمراض عديدة، كما حرم الخمر لأضراره العديدة، على العقل والإنفعالات والأعصاب، والعضلات والمخ والقلب، والرئة والكبد والبنكرياس، إلى جانب أضراره الإجتماعية والإقتصادية.
كما حرم الخمر والمخدرات ونحوها مما يضر بالفرد والأسرة والمجتمع، كذلك حرم الزنا اللواط، حيث أنها تنشر أمراضا خطيرة وقاتلة، كالزهري والسيلان والقرحة الرخوة والإيدز.. مع العلم أن كل الأمراض التناسلية، تؤدي إلى إنحراف المراكز العليا في المخ عن وظيفتها الأصلية.
نسأل الله أن يقي جميع المسلمين الشرور والآفات إنه سميع مجيب.
بقلم: د.إبراهيم بن حمد النقيثان.
المصدر: مركز واعي للإستشارات الإجتماعية.